فتي الاسلام
عدد المساهمات : 16 نقاط : 48 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 07/01/2011
| موضوع: أسباب الاحتقان الطائفي بمصر الجمعة 07 يناير 2011, 8:01 am | |
| بقلم: فتحي مجدي
تمثل العلاقة بين المسلمين والمسيحيين في مصر، نموذجًا فريدًا للتعايش بين المختلفين في الدين داخل الوطن الواحد، ونادرًا ما سجلت هذه العلاقة حوادث عنف أخذت شكل الاضطرابات الدموية كما هو الحال في العديد من البلدان الأخرى، فالتاريخ يسجل أن فتح المسلمين لمصر كان بمثابة طوق إنقاذ للمسيحيين الذين كانوا يعانون آنذاك من الاضطهاد والقمع تحت الحكم الروماني (31 ق.م 641 م)، وجاء الحكم الإسلامي لينقذهم من بطش المستعمرين الرومان، ومارسوا حرياتهم بشكل أوسع حين تخلصوا من تضييق الرومان عليهم، إذ كانوا يدينون بمذهب آخر مختلف عن مذهب المصريين. كان من الضروري الإشارة إلى تلك المقدمة الموجزة قبل التطرق إلى مآلات العلاقة وتطوراتها في الوقت الراهن، في ظل حالة الاحتقان الطائفي التي أخذت في التنامي بشكل سريع خلال السنوات الأخيرة، وباتت مثل كرة الثلج التي تتضخم يومًا بعد آخر، حتى حانت لحظة انفجارها، بفعل أجواء التشنج التي خيمت بظلالها على العلاقة بين جناحي الوطن، والمؤشرات التي جعلت هناك يقينًا بأن لحظة الانفجار قادمة، وأن حدوثه ليس سوى مسألة وقت. فالانفجار غير المسبوق الذي استهدف كنيسة القديسين بالإسكندرية بعد دقائق فقط من نهاية عام 2010، والذي خيمت سحبه السوداء في سماء مصر لم يكن وليد اللحظة بل كان نتيجة عوامل تضافرت وتسببت في حدوثه، يوم أن تجاهلت الدولة تطبيق القانون وإنفاذ أحكامه على الجميع مسلمين ومسيحيين، وتراجعت سيادتها مقابل صعود "السلطة الموازية" المتحصنة بالمقر البابوي بالعباسية، والتي أخذت بنظر المراقبين توسع من دائرة زعامتها الروحية إلى ممارسة الوصاية بشكل كامل على المسيحيين، وجعلت من نفسها المتحدث الرسمي باسمهم في كافة القضايا كبُرت أو صغُرت. قد يفهم البعض ما سبق على أنه يعطي المسوغ لهذا العمل المنبوذ على كافة المستويات بين المصريين على اختلاف مشاربهم وانتماءاتهم الدينية والسياسية، لكنه ليس صحيحًا، وإنما هو من قبيل المكاشفة والمصارحة التي تقتضي عدم غض الطرف عنه، إذا كان هناك من يرغب في استيعاب واستخلاص العبر من عملية تغييب القانون لتحل محلها لغة العنف والسلاح، وهي أمور تنذر بخطر جسيم على وحدة الوطن وسلامته، لا يتمنى إنسان يملك مثقال ذرة من إيمان أن تندفع مصر للسقوط في هذا المستنقع. فلقد ظل المصريون لسنوات بعيدين عن أجواء العنف والصراعات الإقليمية، وكان من لطف الله بهم أنه في تلك اللحظة التي بدأ فيها تيار العنف يضرب بقوة في دول أخرى كانت جذوته تنطفئ ونجمه يأفل في مصر، خاصة مع إعلان كل من "الجماعة الإسلامية" وتنظيم "الجهاد" التوقف عن عملياتهما المسلحة ضد الدولة، بعد حادث الأقصر الشهير في منتصف عام 1997. وبعد سنوات عصيبة عاشتها تحت نير العنف، شهدت مصر سنوات من الاستقرار لم تشهد فيها هجمات دموية، باستثناء عمليات غلب عليها الطابع الفردي بالقاهرة كما في تفجيرات الأزهر، وهجمات وقعت في أطرفها كما حصل في شبه جزيرة سيناء، لكن حدوث تفجير كنيسة القديسين أعطى دلالات غاية في الخطورة، خاصة وأنه جاء بعد شهرين من تهديدات تنظيم "القاعدة" باستهداف الكنائس في مصر، وهو وإن صح يعني أن هجمات التنظيم عرفت طريقها إلى مصر، استغلالاً للمناخ السائد بالبلاد، وأنه استطاع أن ينفذ من تلك الثغرة ليقوم بالضرب في العمق، بعد أن فشل لسنوات في إيجاد موطئ قدم له. ونجح في ذلك بفضل الأجواء التي تشكل عاملاً محفزًا لظهور تيار العنف وعودة نشاطه على الساحة,,, فقد يكون مجديًا لفترة العلاج بالمسكّنات واستخدام المهدئات في التخفيف من حدة الآلام والأوجاع، لكن مخطئ من يعتقد أن بإمكانها القضاء على العلة إذا لم يكن هناك في الأصل تشخيص سليم للمرض وأسبابه، وتحديد العلاج المناسب له، حتى لو استدعى الأمر الجراحة ما دام ذلك هو الحل، لأن اللجوء لأية حلول أخرى سيكون على سبيل التسكين المؤقت للآلام وسرعان ما سيعاود المريض الصراخ، وتتدهور حالته من سيء لأسوأ، وساعتها لن ينفع معه أي دواء. هذا يلخص باختصار حال الدولة في تعاملها مع القضايا ذات البعد الطائفي، إذ أن المتابع للشأن المصري يلحظ استخدام أسلوب "التسكين" المؤقت للأزمات دون علاج دائم لها، واجتثاث أسبابها من جذورها، الأمر الذي يؤدي إلى تكرار مشاكل صورة بالكربون من أزمات سابقة، ويتم التعامل معها بذات الأسلوب والطريقة في المعالجة، عبر جلسات الصلح العرفية، وبضغوط من الأمن للطرفين على القبول بها، وهذا بالتأكيد يحقق أهدافه المرحلية لكنه لن يضمن تكرار النزاعات مستقبلاً. وهناك العديد من النماذج لحالات الاحتقان الطائفي في مصر والتي صاحبها جدل واسع، لجأت السلطة فيها إلى التعامل معها بمنظور جلسات الصلح العائلية، وحتى التي عرفت طريقها إلى القضاء لم تكن الأحكام الصادرة فيها محل ارتياح للأطراف ذات الصلة، اعتقادًا بوجود شبهة مجاملة لهذا الطرف أو ذاك. ومن أشهرها، حادثة الكشح التي وقعت في 31 ديسمبر 1999 حين حدث نزاع بين تاجر قبطي وأحد الزبائن المسلمين عشية رأس السنة وتسبب في تفجر مواجهات بين المسلمين والمسيحيين أدت إلى مقتل وإصابة العشرات، أحيل فيها 96 شخصًا للمحاكمة، وتم إدانة 4 متهمين ما بين 10 سنوات والحبس سنتان وسنة، وعلى الرغم من تلك الأحكام إلا أنها لم ترق من وجهة نظر ذوي الضحايا إلى العقوبة التي كان يستحقها المدانون، ورأوا أن الدولة تساهلت بشكل كبير خصوصًا مع المسلمين. فضلاً عن المشاكل المتعلقة بمحاولة فرض الأمر الواقع في عملية بناء الكنائس في مصر، والتي تعد إحدى العوامل المثيرة للاحتقان الطائفي من وقت لآخر، حيث البداية ما تكون غالبًا عبر اتخاذ بيت مكانًا للصلاة في قرية أو داخل بناية سكانية في منطقة حضرية، أو من خلال التحايل على الإجراءات والتصاريح الممنوحة، ومن هنا تنفجر المشاكل وتقع الأزمات وليس ببعيد أزمة بناء كنيسة بمنطقة العمرانية في نوفمبر الماضي، والتي حاول آلاف المسيحيين بناءها بالقوة وعندما تصدت لهم الشرطة رشقوها بالحجارة وحاولوا اقتحام مبنى محافظة الجيزة. كما أن هناك وجهة نظر في المسألة ترى أن بناء الكنائس بدأ يأخذ شكلاً مظهريًا أكثر من كونه مكان عبادة لأداء الصلاة فيه، خاصة مع انتشار بناء الكنائس الضخمة في المدن والقرى وحتى التي لا توجد فيها أعداد كبيرة من المسيحيين، وإيجاد لحل لتلك المشكلة القديمة المتجددة يتمثل في المسارعة إلى طرح مشروع قانون دور العبادة الموحد على البرلمان في أقرب وقت من أجل مناقشته وإقراره من قبل النواب بعد أن ظل لسنوات طويلة حبيس الأدراج. لكن المشكلة الأكبر تتبدى في عملية الاحتجاز داخل الكنيسة للمتحولات من المسيحية إلى الإسلام، وهناك حالتان تمثلان النموذج الأشهر في هذا الإطار، ترجع الأولى إلى ديسمبر 2003، وهي التي شكلت بداية لمرحلة من التنازلات، وتجميد بند في الدستور المصري يكفل حرية العقيدة، حين رضخت الدولة للضغوط التي قادها شنودة الثالث بطريرك الأقباط الأرثوذكس في مصر والمسيحيون الذين تظاهروا بمقر الكاتدرائية بالعباسية لتسلم وفاء قسطنطين زوجة كاهن أبو المطامير بالبحيرة احتجاجًا على اعتناقها الإسلام والمطالبة بتسليمها للكنيسة، واستجابت الحكومة في نهاية المطاف لمطالب البابا والمتظاهرين وقامت بتسليمها للكنيسة التي تتحفظ عليها منذ ذلك الحين في مكان مجهول!!. وقد تكررت الواقعة إلى حد التطابق في أواخر يوليو الماضي، حينما قامت الكنيسة باحتجاز كاميليا شحاتة زوجة كاهن دير مواس، بعد توجهها إلى الأزهر لتوثيق إسلامها، كما أكد مقربون منها، ومنذ ذلك الحين أودعتها الكنيسة أحد مقراتها، الأمر الذي فجر مظاهرات احتجاجية من جانب المسلمين الذين طالبوا بإطلاق سراحها والسماح لها باختيار دينها وفق إرادتها الشخصية بعيدة عن أية ضغوط، لكن الكنيسة بدورها تصر على أنها محتجزة برغبتها الشخصية!!، وعلى الرغم من بثها المقطع المصور عشية عيد الفطر لتهدئة الغضب بين المسلمين إلا أنه لم ينه الجدل ولم يمنع الدعوات المطالبة بمنحها حريتها. كان موقف الكنيسة شديد التصلب والتحدي في الوقت الذي كان موقف الدولة شديد التهاون تجاهها، وهو ما زاد من حدة الأزمة وفاقم من حالة السخط والغضب، مع أنه كان بإمكانها أن تتجنب تداعيات موقفها السلبي بنظر الكثيرين، من خلال الاستناد إلى القانون باعتباره المرجعية في إنهاء الأزمة، وقتها كان يمكن أن تتفادى تلك الاتهامات بالوقوف إلى جانب الكنيسة، وتفوت الفرصة على الصائدين في الماء العكر، الذين وجدوا في هذا الأمر فرصة ثمينة للتعبير عن وجودهم بشكل كان لا يتمنى حدوثه المصريون الغيورون على أمن بلدهم واستقرارها. لا يمكن أيضًا تجاهل الإساءات إلى المسلمين والإسلام والتي بدأت تأخذ منحى علنيًا بشكل بدا مثيرًا للاستفزاز حتى لأولئك الذين عرفوا عنهم مواقفهم المقربة من الكنيسة، وتحديدًا تصريحات الأنبا بيشوي سكرتير المجمع المقدس، الرجل الثاني بالكنيسة، التي وصف فيها الأغلبية المسلمة في مصر بأنهم "ضيوف" على الأقباط "أصل البلد"، قبل أن يستتبعها بتصريحات في مؤتمر "تثبيت العقيدة" بالفيوم التي زعم فيها تعرض القرآن الكريم للتحريف بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، صحيح أن شنودة سارع إلى الظهور على شاشة التلفزيون المصري لمحاولة احتواء الأزمة، إلا أنه وبينما كان يحاول ذلك، أشعل غضب المسلمين حين رفض الاعتذار عن طعن بيشوي في القرآن. وهو ما أعاد إلى الأذهان الواقعة التي حدثت في 21 نوفمبر 2005، حينما اندلعت أعمال شغب بين آلاف المسلمين وقوات الأمن خارج كنيسة مار جرجس في الإسكندرية أسفرت عن مقتل شخص، وجرح 90 آخرين من المتظاهرين وأفراد الشرطة، كان السبب فيها هو توزيع قرص رقمي DVD لمسرحية عُرضت داخل الكنيسة قبل عامين، وكانت بعنوان "كنت أعمى، ولكني أبصرت الآن" وتتحدث عن قصة مسيحي شاب يتحول للإسلام ثم يكتشف أنه "ضُلل في النهاية"!! والمسرحية تتناول بشكل ساخر العبادات الإسلامية. فقد كان الواجب يحتم على الكنيسة أن تبادر آنذاك إلى احتواء الأزمة عبر التبرؤ من هذا الصنيع المسيء للإسلام، ومحاسبة الذين قاموا بهذا العرض المسرحي، لكنها لم تفعل، وبدلاً من ذلك سارع شنودة - الذي رفض تقديم اعتذار - إلى اختلاق المبررات ونفى أن تكون تضمنت أي إساءة "للمقدسات الدينية" وزعم أن المسرحية عُرضت قبل ذلك بعامين لمدة يوم واحد داخل أسوار الكنيسة ولم يرها مسلم واحد, وكانت تتحدث عن التطرف ولم تتحدث عن المقدسات الدينية. في النهاية،،، سيظل الاحتقان الطائفي في مصر موجودًا وقائمًا، وستبقى أعراضه المرضية ساكنة جسد هذا البلد الذي كان الكثيرون يحسدون أبناءه – مسلمين ومسيحيين - على حالة التعايش والتآلف بينهم، وذلك إذا ما استمرت سياسة التجاهل وعدم النظر بعين الاعتبار إلى تلك العوامل المثيرة للأزمات وعدم البحث عن حلول واقعية منهجية تجنب مخاطر الانزلاق إلى المستنقع الذي تغوص فيه دول أخرى أضحت مسرحًا للتدخلات الدولية وأداة ضغط على أنظمة وشعوب هذه الدول
| |
|